دراسة أمريكية: ١٢ مليون مصرى يهاجرون من مدنهم بسبب ارتفاع منسوب البحر
كتب محمد طلعت الهوارى ٣١/ ١٢/ ٢٠٠٩ " جريدة المصرى اليوم"
حذرت دراسة أجراها مركز الاستشعار عن بعد فى جامعة بوسطن، بتكليف من المنتدى العربى للبيئة والتنمية، من أن مصر ستكون أكثر الدول العربية تأثراً بسبب التغيرات المناخية، وأظهرت الدراسة التى تحلل سيناريوهات متنوعة لتأثيرات تغير المناخ، بشكل خاص على المناطق الساحلية، بناء على صور فضائية للمنطقة، أن مصر ستكون الدولة العربية «الأكثر تأثراً»، بسبب ارتفاع مستوى البحر، وجاء فيها: «مالا يقل عن ١٢ مليون مصرى سيهاجرون من مناطق إقامتهم فى أجزاء من الدلتا وغيرها مع ارتفاع منسوب مياه البحر ٥ أمتار، وفى الواقع فإن قرابة ثلث مجموع السكان العرب المتأثرين سيكون من مصر وحدها».
أعدت الدراسة الدكتورة إيمان غنيم، أستاذة باحثة فى مركز الاستشعار عن بعد، التابع لجامعة بوسطن الأمريكية، وأفردت جزءاً كبيراً حول تأثير ارتفاع مستويات البحار على دلتا النيل، وقالت الدراسة: «بموجب سيناريوهات ارتفاع مستويات البحار، سيفقد المزيد من دلتا النيل إلى الأبد، ويصنف تحليل الاستشعار عن بعد ونظام المعلومات الجغرافية بعض المناطق فى دلتا النيل المعرضة لخطر ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً وللحالة القصوى لسيناريو ارتفاع مستويات البحار ٥ أمتار، وبناء على هذه الصورة، يقدر أن ارتفاع متر واحد فقط سيغمر كثيراً من دلتا النيل، مغرقاً نحو ثلث أرضها (٣٤%)، جاعلاً مدناً ساحلية مهمة مثل الأسكندرية وإدكو ودمياط وبورسعيد فى خطر كبير، وفى هذه الحالة، يقدر أن نحو ٨.٥% من سكان البلاد (٧ ملايين نسمة) سيهاجرون من مناطقهم».
وأضافت: «وفى الحالة القصوى لسيناريو ارتفاع مستويات البحار ٥ أمتار، فإن أكثر من نصف دلتا النيل (٥٨%) سوف يواجه تأثيرات مدمرة، من شأنها أن تهدد ١٠ مدن كبرى على الأقل، من بينها الإسكندرية ودمنهور وكفر الشيخ ودمياط والمنصورة وبورسعيد، غامرة أراضى زراعية منتجة، ومجبرة نحو ١٤% من سكان البلاد (١١.٥ مليون نسمة) على النزوح إلى مناطق أكثر اكتظاظاً جنوب منطقة دلتا النيل، مما يساهم فى جعل مستويات معيشتهم أسوأ مما هى عليه».
وأشارت الدراسة إلى أن: «دلتا النيل التى تبلغ مساحتها نحو ٢٤.٩٠٠ ألف كيلومتر مربع، تستأثر وحدها بنحو ٦٥% من الأراضى الزراعية فى مصر، وهذه الدلتا، التى كانت فى الماضى أكبر موقع للرسوبيات فى حوض البحر المتوسط، هى مثال متطرف على منطقة مسطحة منخفضة معرضة بشكل كبير لخطر ارتفاع مستوى البحار، والدلتا تتراجع حالياً نتيجة تسارع التآكل على الخط الساحلى، وهذا كان يعزى عموماً لعوامل بشرية وطبيعية، وإنشاء السد العالى فى أسوان سنة ١٩٦٢، واحتباس كمية كبيرة من الرسوبيات خلفه، فى بحيرة ناصر، هما العاملان الرئيسيان المسببان للتآكل فى دلتا النيل».
وتابعت: أن احتباس كمية أخرى لا يستهان بها من رسوبيات النيل بسبب شبكة الرى وقنوات التصريف الكثيفة، وفى الأراضى الرطبة شمال الدلتا، ساهم أيضاً بشكل كبير فى تآكل الدلتا، وفى الوقت الحاضر، تنتقل كمية صغيرة فقط من رسوبيات نهر النيل نحو البحر لسد النقص على ساحل الدلتا فى حافته الشمالية، وحتى الكمية الصغيرة جداً المتبقية من رسوبيات الدلتا التى تصل حالياً إلى البحر المتوسط تزيلها التيارات البحرية المتجهة شرقاً».
وأوضحت الدراسة أن انخساف الدلتا من ملليمتر واحد إلى ٥ ملليمترات سنوياً، نتيجة أسباب طبيعية، واستخراج كثيف للمياه الجوفية، يؤثر فى التآكل الساحلى إلى أبعد الحدود، وهذا التأثير يظهر فى صور القمر الاصطناعى، إذ يمكن رؤية التآكل الساحلى بوضوح قرب رأسى رشيد ودمياط، ويظهر تحليل صور القمر أن رأس رشيد، على وجه الخصوص، خسر ٩.٥ كيلومترات مربعة تقريباً من مساحته، وأن خطه الساحلى تراجع ٣ كيلومترات داخل البر خلال ٣٠ سنة (١٩٧٢ – ٢٠٠٣)، وهذا يعنى أن هذا الجزء من الدلتا يتراجع بمعدل ينذر بالخطر يبلغ نحو ١٠٠ متر فى السنة».
وأشارت الدراسة إلى ما وصفته بـ«النمو السريع» وغير المنضبط على نطاق واسع على طول المناطق الساحلية السريعة التأثر»، ولفتت إلى أن «استمرار أنماط هذا النمو سيجتذب أعداداً أكبر من السكان إلى تلك المناطق المنخفضة الخطرة، ونتيجة لذلك من المرجح أن يكون لارتفاع مستويات البحار تأثير كبير على الناس وعلى تطوير البنى التحتية فى المناطق الساحلية للمنطقة العربية».
تناولت الدراسة نتائج تغير المناخ على المنطقة العربية، ومنها تأثير ارتفاع مستويات البحار على البلدان العربية، ومن بينها دلتا النيل فى مصر، وآثاره على نمو المُدُن، وجاء فيها أن الجزء الجنوبى من دلتا النيل يعانى حالياً من نمو سكانى «غير منضبط» فى مدينة القاهرة، كما أن النتائج أظهرت خسارة نحو ١٢% (٦٢ كيلومتراً مربعاً) من المناطق الزراعية المجاورة للقاهرة، فُقدت بين عامى ١٩٨٤ و ٢٠٠٢.
وأشارت إلى أن الحرارة فى وسط المدن أعلى عدة درجات من تلك التى فى مناطق ريفية مجاورة ذات ارتفاع مماثل، وأكدت نتائج الاستشعار عن بعد أن القاهرة تظهر ارتفاعاً ملحوظاً فى درجة الحرارة السطحية مع ميل عمومى إلى مناطق مدنية أكثر دفئاً فى مقابل أراضٍ مجاورة أكثر برودة.
وحذرت الدراسة من ازدياد تكرار العواصف الترابية فى المنطقة العربية بصفة عامة، وأنها ستتسبب فى خسارة التربة وانخفاض الأمطار والإنتاجية الزراعية، وانخفاض وصفته بـ«الدراماتيكى» فى جودة الهواء، وما يصحبها من تأثيرات على صحة الإنسان.