كلمـــات جـــــريئــــة
الرهان الأخير! بقلم: لبيب السباعى
3/28/2010
سنوات ونحن نناقش ونعقد المؤتمرات ونصدر الخطط والاستراتيجيات وكلها تحت شعار تطوير وإصلاح حال التعليم في مصر..وكأننا نريد إعادة اختراع العجلة أو اكتشاف النار..
رغم أن معادلة تحقيق التعليم الحقيقي معروفة ومجربة وأمامنا ما حققته ماليزيا وتركيا, بل والعديد من الدول العربية خلال سنوات قليلة من تطور تعليمي بينما ما زلنا نغرق في مناقشة ودراسة البديهيات..
وأظن أننا أمام تجربة قد تكون هي الرهان الأخير أو الفرصة التي سوف تخرج مصر من دائرة التجارب والاستراتيجيات الشخصية..
هذه التجربة هي وجود هيئة مستقلة مسئولة بحكم القانون عن قياس جودة التعليم في جميع المؤسسات التعليمية في مصر بدءا من الحضانة وحتي درجة الدكتوراه وهي الهيئة التي تحمل اسم' ضمان الجودة والاعتماد' ويتسع نطاق مسئولياتها ليشمل المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة وتمتد إلي التعليمين الفني والأزهري..
وربما تكون تلك هي المرة الأولي في مصر التي يتم فيها إخضاع تقويم مؤسسة ومراجعة سياستها وأدائها لسلطات جهة أو هيئة أخري لا تقع في نطاق الوزارة المعنية.. هذه الهيئة القومية والتي لا تتبع وزارة التربية والتعليم, ولا وزارة التعليم العالي عليها مسئولية مراجعة معايير جودة التعليم واعتماد المؤسسات التعليمية التابعة للوزارتين.. وقد التزمت الهيئة القومية لضمان الجودة في التعليم بمعايير دولية معروفة ومحددة في العالم لقياس جودة وكفاءة التعليم, وعلي مدي أقل من عامين علي إنشائها وضعت وأصدرت ما يزيد علي مائة وأربعين دليلا ودراسة وتقريرا لتحديد معايير مراجعة الجودة في المؤسسات التعليمية المصرية وفي كافة التخصصات من الطب والهندسة وحتي العلاج الطبيعي والتمريض والتربية الموسيقية والاقتصاد المنزلي, وبينها جميع التخصصات الأخري بما فيها العلوم الشرعية..
ولأن الثقافة المصرية تتوجس خيفة من فكرة قيام جهة خارجية بمراجعة وتقويم ما تقوم به أي مؤسسة حاولت' هيئة ضمان الجودة' أن تزيح هذا الهاجس المتخوف من دورها فطرحت ما أسمته بالزيارات الإرشادية والتشاورية لإطلاع المدرسة أو المعهد أو الكلية أو الجامعة المتقدمة للهيئة علي نقاط القوة والضعف وعلي المعايير المطلوب توافرها قبل أن تطلب زيارة رسمية من لجان الهيئة للحصول علي الاعتماد.. وفي نفس الإطار بادرت الهيئة إلي إجراء أول عملية اتصال منظم لعلماء مصر في الخارج بدءا من أمريكا وكندا ومرورا بالدول الأوروبية المتقدمة شملت فرنسا وإنجلترا وألمانيا تطلب منهم المشاركة حسب تخصصاتهم العلمية في لجان المراجعة من خلال ورش عمل مكثفة وبرامج دورية للزيارات للمؤسسات التعليمية المصرية بما يضمن ـ بوجود هؤلاء العلماء المصريين القادمين من الدول المتقدمة ـ كل اعتبارات الموضوعية والشفافية والعالمية..
والحقيقة أن علماء مصر في الخارج أبدوا تجاوبا كبيرا في المشاركة اقتناعا منهم بأن المطروح أمامهم هذه المرة يتسم بالجدية وبقضية محددة هي المشاركة الفعالة في إصلاح التعليم في مصر من خلال هيئة محايدة تقوم بمراجعة أوضاع كل مؤسسة تعليمية وإخضاعها لمعايير الجودة المعروفة عالميا قد يضعنا في النهاية علي الطريق الصحيح للإصلاح وأن الأمر ليس مجرد شعار مطروح بقدر ما هو عمل محدد ومعايير واضحة..
مرة أخري قد يكون الدور الذي تقوم به هذه الهيئة هو الفرصة الأخيرة لإصلاح التعليم المصري خاصة أن القانون قد ألزم جميع المؤسسات التعليمية في مصر بالتقدم للحصول علي اعتماد الهيئة خلال خمس سنوات علي أن ما يدعو للدهشة أنه خلال عامين من هذه الأعوام الخمسة لم تتقدم جامعة مصرية واحدة تطلب اعتمادها والأكثر إدهاشا هو أن الجامعة الوحيدة التي تقدمت هي الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومن بين مئات الكليات والمعاهد في مصر لم يتقدم للاعتماد سوي كلية واحدة ومعهد خاص واحد!! وتقدمت34 كلية تطلب زيارات استطلاعية..
والمؤكد أن ظهور العلماء المصريين في الخارج علي مسرح مراقبة جودة العملية التعليمية في المدارس والجامعات واشتراكهم فيها بصورة فعالة سوف يسهم في إبعاد المخاوف من نفوس القائمين علي المؤسسات التعليمية ويحقق الشعور بالحيادية والدولية ولو أننا_ لسوء الحظ_ لم نحقق الاستفادة المنتظرة من هذه المشاركة فسوف نخسر رهان إصلاح التعليم.. ولأن الناس أعداء ما يجهلون فإن المرحلة القادمة يجب أن تشهد حضورا أقوي ودورا مكثفا لنشر ثقافة الجودة في المجتمع..وهي ثقافة تقوم علي انتهاء المرحلة التي تقوم فيها كل جهة بتقويم نفسها..وتساورها الشكوك عندما تقوم جهة أخري_ حتي ولو ألزمها القانون بذلك- بتقويم ومراجعة أوضاعها رغم أن القانون يقدم من الضمانات الموضوعية ما يغلق أبواب الرفض فيسمح للمؤسسة التعليمية بالاعتراض علي من تري من أشخاص اللجنة التي تقوم بمراجعة أوضاعها ويقدم لها زيارات إرشادية ويتيح لها_ إذا رأت- التظلم من قرار الهيئة أمام لجنة محايدة تضم مستشارا من مجلس الدولة..
إن المطلوب الآن هو أن تتفق جميع الجهات المسئولة عن التعليم في مصر علي التنسيق فيما بينها من أجل نجاح هذه التجربة التي بنجاحها سوف يخرج التعليم المصري من دوامة التجارب التي تحاول إعادة اختراع العجلة.. وسوف تنجح هذه التجربة في حالة اقتناع الجميع بأن النجاح سوف ينسب لهم جميعا عندما يتحقق.. وبداية هذا الاقتناع وما يتلوه من نجاح هو أن تبادر مؤسساتنا التعليمية من مدارس وجامعات حكومية وخاصة إلي اتخاذ إجراءات ضمان الجودة وتطبيق المعايير التي انتهت إليها الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والتي تكفل اعتمادها وألا تنتظر خائفة تترقب حتي توشك مهلة السنوات الخمس علي الانتهاء فتطلب مهلة زمنية جديدة.. فالتعليم المصري لا يحتمل المزيد من البطء الذي يجعله يتراجع للخلف بانتظام.