وهم البحث عن الخلود
في الأدب الرمزي أن الإنسان بين أمله وأجله كصائد في الصحراء يجري طول
يومه وراء غزال. فلما أرهقه السعي أراد أن يستريح. فرأي أسدا يطلبه. فنظرة
للغزال. ونظرة للأسد. ووقع نظره الحائر علي عش نحل يتجمع ففرح سوف يأكل من
العسل.. هذه حقيقة الإنسان بين أمله وأجله أيها النحل الطيب اسبح كما شئت
فسوف يأتيني عسلك هذه قصة الناس من عهد آدم قرأها إبليس في نفس أبينا آدم
فدخل إليه من هذا الباب "هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي" 120 طه
شجرة الخلد كيف تشعر بالجنة إذا كنت ستموت؟ وما نهاك الله عنها إلا ليحرمك
من أمرين عظيمين: "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو
تكونا من الخالدين" 20 الأعراف إن آدم رأي الملائكة حول العرش. وعلي قرب
من الله. وفي طاعة دائمة فاشتاق لهذا القرب من الله فجاءه إبليس من هذا
الأمل هذا أولاً. والأمر الثاني أن يكون هو وزوجه من الخالدين إنه الأمل
في شدة الطاعة لله "أن تكونا ملكين" من الملائكة المقربين وما أجمل القرب
من الله ومعصية الأكل من الشجرة معصية غدد ولكن حلاوة القرب من الله نور
يضيء القلب أكل آدم من الشجرة طمعا في الخلود فلم يجد الخلود.
خرج إلي الأرض بعد أن "غوي" أي فسد جوفه "وعصي آدم ربّه فغوي" سورة
طه فسد جوفه لأن الشجرة تترك الفضلات في المعدة.. تقول العرب: غوي الفصيل
عن أمه الناقة إذا فسد جوفه من لبنها.. زرع آدم وحصد بحثا عن الخلود فلم
يجد الخلود.
تزوج وأنجب بحثاً عن الخلود فلم يجد الخلود وأبناؤه "تتخذون مصانع
لعلكم تخلدون" 129 الشعراء فلم يجدوا الخلود ويحاول أبناء آدم أن يجمع
أحدهم أموال الدنيا "يحسب أن ماله أخلده" 3 الهمزة. فلم يجد الخلود.
وهكذا نقضي حياتنا في كفاح دائم. وجهاد دائم. وسعي دائم. لنحقق أمنية
آدم في الخلود حتي تنتهي الدنيا فينادينا الله للعودة للجنة يا من أضعتم
الدنيا بحثا عن الخلود فلم تجدوا الخلود اليوم "أدخلوها بسلام ذلك يوم
الخلود" 34 سورة ق.
إن كل شيء في الجنة خالد فلماذا وصف الله خدم الجنة وغلمانها بأنهم
خالدون؟ "ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا" 19
الإنسان.
مخلدون أي مخلدون علي صورة الولدان لا يصيبهم المشيب فيذهب بهجتهم.
هؤلاء الخدم فكيف بالمخدومين؟ ويصف القرآن أهل الجنة بالخلود في المشاهد
التي تحرص النفس عليها عادة كالارتباط بالأزواج المطهرة أزواج مطهرة جسدا.
وخلقا. وسريرة "ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون" 25 البقرة وعندما
تحيط بهم رحمة الله كما يحيط نور الصبح بالماشي في النهار "وأما الذين
ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" 107 آل عمران.
وعندما ينزل القرآن لأهل الصحراء فيبشرهم بجنات تجري من تحتها
الأنهار فهذه صورة تشتاق النفوس إليها أيما اشتياق. لذلك تكررت "جنات تجري
من تحتها الأنهار" فلا تكاد تذكر الجنة والخلود فيها إلا ويذكر معها "تجري
من تحتها الأنهار" جاء هذا في أربع عشرة آية لشوق الذين نزل فيهم القرآن
إلي مشاهدة الأنهار لأنهم أهل صحراء.
قديما قالوا: ثلاثة يذهبن الحزن: الماء والخضرة والوجه الحسن
والثلاثة هناك وهم يستبشرون بك "ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم
ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" 170 آل عمران